عبد المنعم رمضان


الشاعر عبد المنعم رمضان

العاشق
ناريمان.. امرأة حكيمة، تصنع الكحل على عينيها عندما تصحو ولكنها عندما تشاء النوم تصنع الحنين ولأنها لم تزل عذراء فهى تغطى ما بين فخذيها بقماش سميك وصفته لها إحدى العرافات، ويقال  أنها قرأت فى مدونات الجدة عن طيور ملونة تنقر طوال الليل الفروج العارية والمغطاة بالشفاف من القماش،ويقال أنها اختلط الأمر عليها فأحكمت إغلاق السبيل إلى نهديها أيضا، ولبست الجوارب الصوفية ولم تزل بأمها حتى أتتها بسرير له مظلة تمنع حتى الهوام واختارت الملاءات والمساند ومرآة صغيرة أطليت من الخلف بالقصدير وزينت حرفها بالعاج، ومنذ ذلك اليوم وناريمان تنام عارية، تلمس زنبقة النهد فترى احمرار فى المرآه، وترتعش عندما تستعيد خصائص العانة، وتدرس فى صمت هل تقصها أم تتركها علها تصبح كالإبر، وخزها يذكر بما تتكتمه الجماعة فتتأرجّح، تقصها ثم تحزن لأنها لم ترغابة سوى غابتها، وتتركها ثم تحزن لأنها  تخاف دائما صمت الغابة، ولأن ناريمان امرأة حكيمة فهى اشترت من بائع عاديات جلبابه من الالياف دولابا فضيا، حشت قلبه بالأوراق البيضاء، ومن رجل مجهول له لحية رمادية أتت بريشة ومحبرة وقصاصات تشبه زوارق النجاة، رسمت عليها قلوب حافية تجرى على  الرمل... ووضعت الأشياء جميعا إلى جوار الأوراق ولكنها لم تلصق قصاصة واحدة بورقة واحدة، ولم تغطس أبدا عنق الريشة فى المحبرة، ولذلك فهى تغلق الدولاب، وتضع مفتاحه فى حفرة عميقة بين السوتيان والنهد مادامت ليست عارية، وسرير ناريمان يعرف هواجسها، لكنه لم يذكر شيئا عنها، لأنه لم ينم عليه أحدا، ويقال أنه لم يصدر صوتا حتى اليوم لأن ناريمان خفيفة، أصابع رجليها أصغر من حب التوت، وفمها يسع قبلة بالكاد، ولذا فهى لاتنطق بالكلمات الكبيرة خشية أن تخنقها، واذا شربت فلأنها تريد أن تحمم الحيوانات الصغيرة التى فى جوفها.. وناريمان لاتهمل الماء منذ أن تأخرت مرة فعوت الحيوانات، وسمع عواءها كل من نظر خلف عينيها، خاصة الرجال المرحون والنساء الحاذقات وعندئذ عرفت كيف تغمض عينيها وكيف ترخيهما وهى لا تنظر كثيرا إلى عورتها لأنها لا تعرف كيف ستصبح العورة ميزة، ولكنها تسمع هسيس الفراشات حولها، دائما تحاول أن تطردها بأصابعها ودائما تعضها الفراشات، ولذا فأظافر ناريمان مكسوة بقطيفة حمراء حتى وهى ذاهبة إلى العمل، ورأت ناريمان أن هذا تجميل ليديها، ورأت أن معظم أصابع النساء مكسوة بقطيفة حمراء فخمنت وامتلأت بالفرح لأنها أصبحت واحدة منهن، وأخذت تضع يديها فى موضع العورة كلما اختلت بنفسها، وتنادى الفراشات، وتهيجها بأن تحرك أصابعها فى براءة وفتور آمنين، وهكذا أصبحت أصابع ناريمان دقيقة وجميلة ومحلاة باللون الأحمر، ومنذ أن تربصت بناريمان الأحلام وهى لاترى سوى حلم وحيد، ولأنها تخشى ألا يتحقق فهى لا تحكيه، ولكنها تضعه تحت لسانها وهذا يؤكد أن فمها الذى يمضغ الأحلام ملىء بالريق وأن أسنانها لن تفسد خاصة أنها لا تقرأ الشعر ولا تعرف أدونيس وسعدى وأحمد طه وأنسى الحاج، ولكنها تعرف ما يعرفونه، فأقدام المرأة فى حسبان ناريمان لم تخلق للمشى إلا إذا كانت المرأة طفلة أو عجوزا، وإنما لرفع السماء كأعمدة إذا هيىء لها أن تسقط فوق الأرض وعنق المرأة جسر موشي بالعرق والخمول نعبره ونترك فوقه قلوبنا حتى نستطيع قتال الفراشات حد الاستماتة، والدخول إلى قيعان مسكنها المظلم، وصوت المرأة هو المصباح الوحيد الغامض والمبحوح الذى يدل على الطريق عبر هذا الظلام، أما الثديان فأحبولتان تعلق فى طرفيها الكون كله، وإذا تهدلا. أصبح الكون خرقة، ولذا فناريمان أحيانا تخاف وإذا خافت أختبأت خلف حروف جسمها، وأنشدت أناشيد الوديان السبعة: الأزمنة الأولى بالنسيان 
هى المملوءة
بالعربات
وبالزوار
وبالريح النائمة على
 فستان الوردة
 ماذا لو صارحت الله
 بأن الوردة ليست تصلح لى.
عائلتى
ليست تصلح لى
فأنا واحدة
ومغطاة بالأيام الماضية
المنذورة للأحلام
وكل حقولى اتحدت
كى ينفجر القمح
فاصبح كل سنابلة الذهبية
أرضا تنشر جسمك فيها 
إن فاجأك النوم
وما يكفيك من الكلمات
اقطفه من أعضائى
واستر جسمك
ليس يراك سواى
وليس يرانى غيرك


الرسولة


أنت الواقف عند الباب، أراك الليلة شعبيا، وعميقا تدخل جوف العين، وتطلقها، وتصيرالآمر ، قالت لى.
فنظرت إلى ثوبى، ونظرات إلى أطراف أصابع قلبى، كان الدغل الهائم بين السرة والكتفين رهيفا، والأغيار خفافا، والحجب المنسية أشهى مما كانت تتصوره الريح، وكنت أخط الخط، وكانت تمحو، كنت أمرر بين البلد الكائن والبلد المحبوب شعائر، كانت تخشى لو تحجبها، وأنا غرٌّ، وهى غيور، فى جرتها كان العالم يطفو، حتى يصبح غيما، لايساقط إلا فى جرتها، وأنا أدلق كل مياهى، أحشو جسمى بقواميس الحزن وأحوال العشاق، وأحشو جسمى ورقا أبيض، آنية ودوالى، علَّ قصائد تنبت، تصبح ضمن سلالة حزنى وتقاويمى، هذا صيفى الفاتر مثل النطفة، هذى كل عصافيرى تتأرجح فوق تخوم اليقظة وتصاوير النوم، وهذا الورق الأبيض عجلات أركبها حين أدب إلى وطنى، وأنا لا أعرف كيف أحن على أنسالى، كيف أروّضُها، فتهشُّ إلى إذا أومأت وتملأ قامة هذا العالم باليرقات، وبالتوت البرى وتحيى -إذ أومأت- الموتى، تشفى الأبرص والمسرور، وتلهث خلف الماعز والجاموس وقطعان البقر الوحشى وبعض الكلمات الطيبة متهرب منها أنت الواقف عند الباب، أراك الليلة، شعبيا، وعميقا يمشى الكون إلى كفيك، وتغفو الريح، وتنهزم الأسرار وتمضى، وأنا بئر يشرب فيها العارف والمشمول، ولايختلف عليها اثنان،ولا يخلفها الواحد ، ليس تغيضُ، وليس يدب إليها الوهن، وليس تُرى عن بعد إلا مثل النجم،وليس ترى عن قرب إلا مثل جناح، يخفق تنفلق الذريّة، يخفق يصبح شجر الحزن جذوعا خاوية ومساند، هل تصحبُنى؟
أين؟
إلى برّين، وساريتين، وجسم يشغله جسمان، وماءٍ يجمع ما بين الجسمين، ووقت ليس النور وليس الظلمة ليس البركات اليومية، ليس خياما تبرك فوق الرمل، وتلحس حدُّ الجوع، وليس فراشات تتألق فى لحظات ثم تموت بوقت يهطل من سحب الوقتين، ومنزلة تتهادى بين المنزلتين، فلا شرقى فيها...لاغربى، نور يسع الكون على نور يتدفق، مثل النور كمشكاة فيها مصباح، والمصباح تلف على جنبيه زجاجة عطر، توقد من عذراء مباركة، بيضاء ولم تمسسها نار، ثم تمر إلى يابسة، ما إن نخطو الخطوة حتى نطلع مثل الهدامين البنائين، ونمشى فى أروقة الجنة، ننزل منزل صدق بين عواميد الأمثال، ونعدو فى مزمور لذوى القربى، نعطى السائل والمحروم وجوها تنشع بالأفراح، ونعطى للعشاق كتابا عن طبقات الصوفيين، علينا الخرقة مثل قضب البان، ولا نستنزل قوتا إلا كى يأكله عنا المستندون إلى الأقدام، ونأكل نحن بذور الحلم فنشبع، نأكل نحن القمر الصاهل فى الحقوين، نلف على الأعضاء الخرقة تشعلها الأعضاء، فنخرج نحو النار، ونشهد أنا كنا اثنين، وصرنا خيطا لايتفرق فى خيطين، ونشهد أن الله تجلى فينا ، فانفرطت أشجار العاشق والمعشوق، الخالق والمخلوق، وباحت كل الناس لكل الناس، وكدنا لو نقتلع السدرة، لولا أن سرابا يعلق فى الأوراق وأوشك أن يقضنا عضوا عضوا، ثم يقوم علينا منه إمام، يأخذنا بين ذراعين، ويلقينا فى البلد الكائن حيث الناس رقود تحسبهم أيقاظا، والبلد المحبوب يفيض ويصبح مثل النجم، ويقرب أن عشّشت عليك، ويهبط مثل جناح يألفه الغاروون، وتنغلق الذريّة، نحن الأول ، نحن الآخر، نحن الظاهر، نحن الباطن، هل تصحبنى؟ 
أين
واذا بالمرأة تخفت مثل البرهة، تعدو خلف فضاء العين وصرت أنا كالهارب،ألحس مايتبقى منى، ثم أقصُّ أظافر قلبى، وأكومها، كى أتخلى عنها حين تصير قصائد أطول من أحزانى    


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق