الجمعة، 30 أغسطس 2013

رايح وجى/ماحدث لى حين ركبت الطبق الطائر


رايح وجى/ماحدث لى حين ركبت الطبق الطائر

فى البدء، أؤكد أن هذه الأحداث والتى أقوم بتسجيل تفاصيلها أحداث حقيقية، وليست قصة من نسج الخيال.. ولايغرنك أن فى العنوان "طبقا طائرا" وما يثيره هذا المسمى من نقاش وجدال حول مصداقية وجوده،  فهذه العقول التى رفضت التصديق بكروية الأرض ونظرية التطور وغيرهما من النظريات العلمية لايمكن أن تتخلى مرة واحدة عن جمودها العقلى  لتقبل بطبقى الطائر، كما أحب أن أنفى عن نفسى شبهة الخلل العقلى حتى لاتساور البعض الظنون، فلست بمجنون رغم أننا فى عالم مجنون… وبعد هذه المقدمة الطويلة والتى لا أرى منها بدا تبدأ حكايتنا…
فى ذلك اليوم –لا أعرف بماذا أصفه– قررت أن أترك كل هذه الدنيا –بمشاكلها- خلفى وأن أذهب إلى المصيف لعل مشاكلى تذوب فى مياه البحر… حين استقر بى الرأى على هذا… ذهبت لطلب إجازة… وبعد أخذ ورد بينى وبين السيد المدير… تكرم سيادته فمنحنى ثلاثة أيام لا غير… ورغم إننى قد اعتبرت ذلك تحكم و"عنجهية" لا داع لها إلا أننى لم أنس أن أشكر سعادته وأدعو له بطول العمر و دوام المنصب أثناء الخروج من الباب.. ها.. ما علينا.. المهم أنى اتجهت من فورى إلى البيت… أعددت حقيبة صغيرة وأخذت طريقى إلى المحطة… وحتى لا أطيل مرة أخرى فبعد أن دخلت العربة الطريق الصحراوى… أخرجت الأجرة للسائق.. أشاح عنى بوجهه طالبا المزيد.. مبينا لى أنه يعانى وعثاء الطريق بينما نحن نذهب إلى المصايف.. أفهمته أننى لست منهم.. وإنها المرة الأولى لى وإنهم ثلاثة أيام لاغير سأنفق خلالها ما جمعته فى عشرين  عاما… أصر على موقفه… زاد الأمر بيننا.. توقف على جانب الطريق آمرا إياى بالنزول.. رغبة منى فى عدم تطور الأمور إلى الأسوأ..  وحتى لا أفسد الرحلة قبل بدايتها.. نزلت منتظرا أى سيارة قادمة… والآن فلتتحد كل الحواس.. ها أنا ذا أقترب من الحدث الرئيسى.. أنا الآن فى وسط الصحراء أو بالتحديد على الطريق الأسفلتى الذى يقع فى وسط الصحراء.. وهج الشمس يشتد.. أبحث عن مكان أحتمى به.. ألجأ إلى صخرة بعيدة وأنتظر.. الوقت يمر متثاقلا.. تزداد حرارة الجو.. أسند رأسى إلى الرمال…"هل غفوت؟!!".. جسم يهبط من السماء له بريق غريب.. يقترب.. باب يفتح.. شئ ما يجذبنى للداخل.. "مقاومتى معدومة".. نور باهر يصدم عينى.. شخص يشير لى.. هيئته غريبة.. ليس له الجسم البشرى.. "أهذا زى أم أنه مغطى بالريش؟ .!"
-  من أنت…؟.. ماذا تريد منى؟..
يوقفنى عن الاسترسال بإشارة
ملاحظة خارج نطاق الحدث: ألاحظ أنى أتحدث لغة غير العربية أو الإنجليزية وأرجو المعذرة فلا أستطيع نفى إن كان يوجد على سطح الأرض من يتحدث بها، فأنا لا أعرف من اللغات إلا العربية وبعض الإنجليزية بحكم الاحتلال الإنجليزى والمسلسلات الأمريكانى لمصر.
أحاول أن أتماسك.. "ماذا لو كان هذا الشيء يريد لى الضرر؟.. هل يصح أن أحاول الفرار منه؟..  كيف يجعلنى أخاطبه بلغة ليست لى؟!.. اعجب ما فى الموضوع أنى لا أحس الخوف رغم غرابة الحدث، والأعجب أنى أشعر بالجوع".. قدم لى قائمة طعام.. "لا أفهم ما فيها".. أشرت إلى إحداها ضغط على الزر..
"أيّة لغة هذه؟!!"
امتدت أمامى مائدة.. أشار لى… بدأت فى التهام الفطيرة، انتظر حتى انتهيت..  قال
-  نحن نعلم من أنت، أحوالك، عاداتك، طباعك، نعلم عن هذا الكوكب وعن سكانه أكثر مما تعلمون، وقد أثار استياءنا ما نراه من تردى أحوالكم وأخلاقكم وتكالبكم وتقاتلكم على المال والسلاح وتخليكم عن القيم الروحية الخالدة قيم العدل والخير، وبعد البحث والدراسة وقع عليك الاختيار لإنذار أهل كوكبكم وإخبارهم أخبارنا وتبيان ما وصلنا إليه من تقدم علمى وتقنى ونشر قيمنا وأخلاقنا السامية.
-  وكيف أعرف مدى تقدمكم وأنا لا أعلم من أنتم؟
-  إنى مكلف من قبل الزعيم برفعك إلى الكوكب الأم ليتم هناك تدريبك وتأهيلك لأداء مهمتك ومشاهدة مدى تقدمنا لتطمئن نفسك وترى كيف تحقق عندنا ما تعتبرونه أنتم خيالا.
-  والإجازة؟!… والمدير؟!…
-  سنعيدك قبل غروب الشمس.
-  ياسلام… رحلة بين الكواكب فى ساعات.
أدار جهازا…
-  بدأت الرحلة… يمكنك مشاهدة الطرق التى سنسلكها من خلال هذا الجهاز
والجهاز ياسادتى… ماهو إلا شاشة.. لكنى أرى الطرق والأشياء عليها مجسمة كأنى على خشبة مسرح…
-  ما هذا…؟!
-  سأجيبك عما يجب أن تعرفه وعليك بالصبر شاهد فقط ولا تنس ما قلته لك نحن نسبقكم فى مجال العلم كثيرا.
الهدوء يخيم..  رغم السرعة التى يبدو أن المركبة تتحرك بها فإن الصور على الشاشة شديدة الوضوح وكأنى أراها من أوضاع ثابتة …
) مجموعة من النجوم تتجمع… يزداد اجتماعها كلما زاد اقترابنا منها… تنبعث منها إشارات ضوئية).. قال
-  عندنا من لا يرتكب خطأ طوال حياته الأولى يقع عليه الاختيار ليتحول إلى نجم يشع ليكون مثالا وقدوة يتمثل بها الباقون.. وهم الآن يرسلون إليك تحية إكبار وإجلال.
-  أنا… لماذا؟!
-  لأنك أول من وصل من كوكبكم إلى هنا على هذه الصورة..
-  هذه الصورة!!!.. هل تعنى أن غيرى قد جاء إلى هنا بأى صورة من الصور؟
صَمَتَ …
" الوحيد الذى وصلت إلى هنا…..!!! لو إننى ذهبت إلى أصدقاء العمل وحكيت ما يدور لقالوا مجنونا عادت إليه أفكاره الجنونية، وجددوا نصيحتهم الدائمة لى.. لا تأكل لحم البقر البريطانى.. فقد نقل إليك مرض الجنون".. ارتطام هادئ… أشار إلى الصورة التى كنت قد سهوت عنها
-  إننا الآن فى المجال الجوى لكوكبنا… انظر.. إن كوكبنا فى أبهى زينته احتفالا بقدومك …
-  سبحان الله… ما أجمل هذا.. ما أروع خلقك يا الله.
-  سنهبط عما قليل على السطح ..
-  يجب ألا تنسوا أن إجازتى ثلاثة  أيام وأن المدير …
قاطعنى بعنف …
-  أنت سوف تغير تاريخ الجنس البشرى وعليك وأنت مقدم على هذه المهمة ألا تشغل عقلك بأية قضية أو موضوع آخر ..
ارتطام آخر هادىء.. "كأننا على بساط من الحرير، حدائق مترامية الأطراف، تناسق لاتجده على كوكبنا الملعون.. أين ذلك من حوارٍ وشوارع مصر المحروسة ؟!!!"
فُتح الباب.. شئ ما يجذبنى للخارج ..
" لولا أنى لم أذق اللحم منذ زمن طويل لقلت إنى قد أصابنى جنون البقر البريطانى"
-  نحن هنا ثلاثة أنواع.. يتشابه أفراد كل نوع تماما.. لا يوجد من ليس له شبيه هنا سوى الزعيم ..
-  لكن ألن أقابل الزعيم؟
-  اتبعنى.. لقد خصص لك وقتا للمقابلة كل ما هو مطلوب منك أن تشاهد فقط وتعرف وسأجيب عن استفساراتك فى حدود المسموح به… مستعد ..
هززت رأسى.. قال بعد أن تقمص دور المرشد السياحى
-  لتعلم أن كوكبنا مثلما يسكنه ثلاثة أنواع أو أجناس ينقسم كذلك إلى ثلاث مناطق.. الأولى المنطقة الخضراء وهى منطقتنا هذه و بها القصور التى يعيش فيها معظم السكان.. والثانية هى المنطقة الحمراء وهى جزء من الكوكب ميز باللون الأحمر يتم فيه عزل الخطاة والخارجين عن النظام لقضاء فترات العقوبة.. والحياة بها ليست دائمة –إلا فيما ندر– إذ إن الفرد بعد قضاء العقوبة يعود إلى المنطقة الخضراء ويُراقب.. فإن حسن عمله عاش كأى مواطن صالح، وإن شاب سلوكه أى شائبة اعيد من جديد إلى المنطقة الحمراء حتى يقوم سلوكه، والمنطقة الثالثة هى المنطقة البيضاء وتقع على أطراف الكوكب ويقطنها الزعيم.. وسنجول بالمنطقتين ثم أصطحبك للقاء الزعيم …
بدأت المركبة فى التحرك.
-  يمكنك أن تتابع الصور على الشاشة التى أمامك …
صورة
(مجموعة –لاتشبهه فى الشكل- تقوم بنشر ألواح من الخشب كتب عليها كلمه العدل)
-   ما هذا؟!
- هؤلاء… مجموعة من الجنس الثانى الذى يسكن كوكبنا وهم المكلفون بنشر العدل بين سكان الكواكب المختلفة.. يُؤتى بهم إلى هنا ليمارسوا العمل اليدوى حتى لايمس الغرور أرواحهم وليكتسبوا خبرة فى نشر العدل …
-  لكن كيف سينشرون العدل؟
-  بالمناشير… ألا ترى؟.. انظر إلى الصورة.. تحقق..
-  أقصد..
-  نفهم قصدك.. هؤلاء ناشرو العدل ….
" الصمت لم يعد لى سواه…. أقول للمدير… ينشرون العدل بالمناشير.. إجازة نحس من أولها ."
انظر أمامك..  صورة ….
( مجموعة تقف بملابس ممزقة تصرخ بصوت جهورى ح ق ى ق ة)
-  ومن هؤلاء؟!
هؤلاء هم طالبو ال ح ق ى ق ة ولتعلم أنه على هذا الكوكب ال ح ق ى ق ة هى المطلب الوحيد… فجميع السلع التموينية والاحتياجات المادية تتوافر وبكثرة ولذلك لا يبذل الناس أى جهد للحصول عليها… لكن ال ح ق ى ق ة يبذل من أجلها الغالى والرخيص… من منا لا يريد الوصول إلى ال ح ق ى ق ة.
-  ولم يجزيؤونها…؟!
-   لتصير أوضح…. خذ أى صورة وحللها إلى عناصرها الأولية ألن تصبح أكثر وضوحا وتصير أسهل على الفهم …
-  وهل الحقيقة غير متوفرة عندكم حتى تطلب بهذا الشكل؟
-  لا.. إن توافر ال ح ق ى ق ة لايقل عن توافر باقى السلع، لكن ألا تعلم أن الشىء كلما طلب زادت قيمته؟.. فنحن نرفع من قيمه ال ح ق ى ق ة بطلبها…
" ليكن… السلع التموينية متوفرة!!.. هذه الجملة كاذبة بلا شك.. لكن كيف لى أن أكذب قوما كل ما يطلبونه من الحياة ال ح ق ى ق ة.. سيدى المدير السلع التموينية متوفرة  فلماذا نرى وجهك ال.... … "
-  أين يذهب عقلك؟!.. أمامك صورة ..
( رجل يسكن فى قصر منيف… أرضه من المرمر وجدرانه مغطاة بالذهب…  يلبس الحرير.. يتحلى باللؤلؤ والمرجان… رائحته المسك والعنبر.. طعامه كل ماتشتهى الأنفس)
-   وهذا؟!
- هذا خادم للزعيم أخلص فى نشر العدل فكوفئ كما ترى جزاء عمله…
" من يجيد النشر –بالمناشير– يكافأ كهذا.. ياسبحان الله… لو أن مديرنا يرى ما أرى لجن واستراح منه الجميع ."
وكما تلتقى صفرة الصحراء بخضرة الوادى فى مصر المحروسة تلتقى المنطقة الحمراء بالمنطقة الخضراء… وبرغم لونها الأحمر فإنها رائعة الجمال، لكن يعيبها الضوضاء.. كما يبدو أن درجة الحرارة بها مرتفعة إذ إنى أحس بالماء يتسرب من كل مسام الجلد من شدة الحر…
-  انظر.. يسارك… الشاشة… صورة.
( قوم يزرعون ويكبر زرعهم فيحصدونه فى نفس اللحظة وكلما حصدوا عاد الزرع فى نفس ساعة الحصاد كما كان من قبل..).
-  هؤلاء قوم قد تقاعسوا عن تنفيذ الأوامر فعوقبوا بأن كتب عليهم العمل بلا راحة …
-  نعم.. نعم.. سيزيف والصخرة.. لكن هذه الحكاية قديمة… ويبدو أن الناس كانت تشعر أن شيئا كهذا يمكن أن يقع فاخترعوا ماكينات تزرع وتحصد وتجمع وتعبئ فى كراتين وتصدر للخارج أيضا دون أى تعب.
صورة ..
(مجموعة من الرجال.. آخر وجاهة ولا بشاوات عصر الانفتاح، فى فم كل منهم سيجار،  أمامهم ما طاب ولذ من أصناف المأكولات والمشروبات.. على الارض مجموعة من الرجال والأطفال عراة تماما… راكعين.. يمدون لهم الأيدي).
- هؤلاء الرجال الجالسون هم سارقو أموال الناس يؤتى بهم إلى هنا.. ويؤتى بضحاياهم على الصورة التى تراها، يقومون باستجدائهم، ليحيوا ضمائرهم فيقتلهم الندم …
-  كيف ذلك؟!
-  تخيل أن شخصا ما قتل شخصا ما،  ثم وضع القاتل والقتيل فى حجرة واحدة… ما تأثير ذلك عليه؟
-  يا مغيث.. رعب.. رعب.. لو يملك القدرة لأعاده من جديد إلى الحياة.
-  وهذا ما هدف إليه الزعيم ..
"  لو قلت لهم فى مصر ضعوا السارق والمسروق فى حجرة واحدة على هذا الشكل وحدثتهم عن تأنيب الضمير.. لوضعت فى حجرة واحدة مع مرضى الأمراض العقلية وحدثونى عن بوظان المخ ."
-  ماذا تقول…؟
-  لا شىء.. كنت فقط أتعجب من حكمة الزعيم.. لكن اسمح لى ما الفائدة التى تعود على من سُرق؟
-  لا تسأل عما لم تجب عنه… شاهد فقط
-  أنتم واختياركم.. "لكن سيُخرب بيتى لو زادت الإجازة عن ثلاثة أيام "
-  الشاشة..
-  نعم.. نعم.. صورة
(قوم بلا عيون ولا شفاه قطعت ألسنتهم يمدوا الأيدى إلى الأمام كأنهم يسبحون فى بحر من الأثير).
- هؤلاء قوم قد جدفوا على الزعيم بالأباطيل، فكان أن عاقبهم بأن أفقدهم عيونهم التى لم تر ال ح ق ى ق ة، وشفاههم التى نطقت بالزور، وألسنتهم التى لاكت سيرته العطرة… ولتعلم أن سيرة الزعيم لا تتداول على هذا الكوكب إلا بكل خير… لكن فى بعض الأحيان.. فى أثناء الأزمات الطارئة كثيرا ما تخرج علينا قلة بكلام يمس ذات الزعيم… لكن الردع يوقف القول ويخرس الألسنة فى الأفواه …
اللون الأحمر يتلاش… انتبهَ وقال
-  إننا نقترب من المنطقة البيضاء …
توقفت المركبة… فُتح الباب.. أمرنى بالنزول
-  ألن تصحبنى…؟
-  ممنوع أن يدخل أحد إلى المنطقة البيضاء.. لم يسمح إلا لك
-  ألا يلقاكم أبدا …؟!
-  وما الداعى إلى اللقاء… الزعيم يسر فى أنفسنا ما يريده، فيُفْعل على الفور….
أسوار عالية جدا… باب يفتح… أدْخُل …
أنا فى داخل المنطقة البيضاء…أستميحكم عذرا.. فها هنا أتوقف عن السرد.. فليس من عقل يستطيع أن يستوعب ما رأيت.. آية من آيات الكون الكبرى، أُمرتُ أن أحتفظ بها لنفسى وأن أقص باقى ما حدث دون حذف أو إضافة، ليكون فيما رأيت آية وعبرة للذين يتكالبون على المال والسلاح …
شئ ما يسير على وجهى… مددت يدى.. فأر صحراوى …
"ياه ما هذا الحر الشديد؟.. هل عدنا من جديد إلى المنطقة الحمراء؟.. أين أنا..؟ تذكرت.. على الطريق الصحراوى… كيف أعادونى بمثل هذه السرعة"؟ هل كنت أحلم؟!… أين الحذاء؟ حتى فى الصحراء.. ماهذه الآثار التى على الأرض؟ تبدو أثار إطارات ضخمة؟… هل كنت أحلم؟!!"
* * *
ماذا على أن أفعل؟.. انقضت الأيام الثلاثة، لم أغادر خلالها المنزل، لم أفتح بابا… الحيره تقتلنى.. عدت اليوم إلى العمل.. قابلنى المدير بتعليقاته القاتلة… قتل الكلمات فى حلقى.. ماذا أقول..؟
هل سيصدق الناس؟.. فى ليلة واحدة..؟!!!
على كل حال ها أنا ذا أفى بما وعدت.. وأكتب كل ما حدث لى بالتفصيل راجيا ممن يقرأ هذا، أن يقرأه بوعى متفتح وعقل مفتوح وألا يجعل من غرابة الموضوع سببا لنفى الحدوث.. فما أغرب الدنيا وأحداثها.. وما أغرب الإنسان وحياته…. اللهم إنى قد بلغت.. اللهم فاشهد …

الجمعة، 2 أغسطس 2013

سندريلة الزمن الأخير



سندريلة الزمن الأخير 

انتبه الأمير الفحل من نومه.. تقلب فى سريره الحريرى، لفت انتباهه أن الجهة الآخرى من السرير فارغة.. سأل نفسه.. "تُراها أين ذهبت؟!".. مد يده يتحسس مكانها.. كان الدفء وبقايا لقاء الأمس تشعل المكان، واصل رحلة البحث بيده.. تحت "المخدة"  وجده.. كان قد تعمد أمس حين تخلصت من القطعة الأخيرة  من ملابسها أن يدسها بيده تحت "المخدة"... أطمأن قلبه بعض الشئ، فلا يمكن أن تكون قد ذهبت دون هذا.. ربما هى الآن فى مكان ما فى القصر، تفتش حجراته، تلهو عبر ممراته، تتريض فى حدائقه.. عاد إلى جسده الكسل الجميل، تسللت إلى أنفه رائحة الأمس.. عطرها الفواح، الماء المتدفق من مجاهل التاريخ يحمل ذكرى "كن" الأولى والكون الأول.. انتعش داخله بأمل تكرار ما حدث ليلا.. الحياة التى نبضت فجأة.. تقلب فانزاح الغطاء عنه.. ظهر عريه.. قطعة لحم بلا ملامح أو تفاصيل.. عاهة كل أمير.. غادر الفراش متكاسلا وهو يهتف باسمها "المجهول".. الصمت يرمى غطاءه على المكان، يقهر ضوء الشمس الواصل إليه عبر نافذة الحجرة، يتسلل كأنه ثعبان يقرص الأمل النابض فى القلب، الرغبة المتدفقة فى العثور عليها.. تأكد مما فى يده.. "لابد من أن تكون هنا..".. "كيف تنصرف دونه؟!".. تحرك مبتعدا عن سريره.. نظر صورته فى المرآة.. لعن فى سره عاهة كل أمير.. فتح باب الحجرة وتحرك خارجها.. لا صوت ينبئ بوجود حياة فى هذا القصر الذى كان ينتشر الموت فى حجراته وممراته وحدائقه حتى مساء الأمس حين طارده صوتها الجميل حتى فى بوحها بلحظات الألم اللذيذ.. كان سيجن.. لم يكن يعلم أن الحياة يمكن أن تتفجر هكذا من خلال الجسد البشرى، أن كل هذه الضوضاء توجد بين العظام واللحم.. "أين ذهبت؟!".. تأكد مما فى يده.. لم يخدعه الحلم.. له ملمس جسدها.. رائحته رائحتها.. فتح باب الحجرة الأخيرة فى القصر.. رمى اليأس عليه ثوبه.. غادرته حتى الرائحة..
 فتح الباب وهتف باسم البواب.. سأله.. متى غادرت؟.. هل تركت له رسالة؟.. هل قالت أنها ستعود ومتى؟.. لم تريحه إجابة البواب.. لم ير.. خارجا أو داخلا منذ جلس، لم يُفتح الباب منذ دخل هو أمس، لم يطرق الباب رائح أو غاد.. الموت مازال يفترش المكان.. تركه وأغلق الباب.. تأمل ما فى يده  من جديد.. الملمس والرائحة.. هى كائن حى، ليس حلم ليل.. ليحسم الأمر  ارتدى ملابسه، وضعه فى جيبه الداخلى.. تأكد مرة أخرى من الملمس والرائحة، سيعيد رحلة الأمس من بدايتها.. سيزور كل مكان وصل إليه أمس، يتشمم كل الروائح لعله يهتدى، سيرفع عن كل من يقابلهن الثياب حتى يتأكد أن هذا ليس لها، وأن هذه ليست هى.. لن يدعها تفر هذه المرة، لن يدع الضوضاء والصرخات المبحوحة تغادره هو أو قصره.. شد الباب خلفه فى عزم، انغلق الباب محدثا صوتا مفزعا.. انتبه.. انتبه الأمير الفحل من نومه.