الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

المرأة المبتورة الأعضاء


المرأة المبتورة الأعضاء
قصة قصيرة

فى الحرب الأخيرة، بدأت المعارك هكذا.. قذف مدفعى مصحوب بغارات  جوية طيلة النهار، ثم تحرك العدو فى اتجاه بيوت القرية مع حلول الليل مدججا بالسلاح.. تراجعت القرية خائفة، لكن العدو كان قد أعد للأمر عدته، فهو محاصر لها من كل الجهات.. لم تجد القرية حلا سوى أن تلجأ إلى الغابة تحتمى بها، بعد أن ألقت فى وجهه بالرصاصة الأخيرة...
فى الغابة لم تكن الحياة سهلة أو هينة أو أمنة كما تخيلتها القرية.. كان هناك الأسد الجرئ،  والعصفور البرئ، والقرد اللاهى، والأرنب المذعور، والفأر المختبئ، والذباب المتجمع على القاذورات.... وأيضا الذئب الخسيس والثعلب المكار وآكلى الجيف ممن يحفرون فى قبور الماضى ليأكلوا.
عانت القرية كثيرا ومات  كثيرمن سكانها.. ومازالت تتلقى حتى الآن قذائف العدو المحاصر لها وطعنات الذئاب ومؤمرات الثعالب وأكلى الجيف أصحاب التراث القديم فى القضاء على القرى.

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

تبريد الرأس


تبريد الرأس
قصة قصيرة

فتح اللص باب الثلاجة بعد ان أنهى عمله ليشرب بعض المياه، فتعجب حين وجد أن رأس صاحب الشقة فى الرف العلوى، كان قد قابل الجسد ملقى على السرير مغطى بملائة بيضاء تماما، كأنها ثياب عروس تزف الآن، لم يستطع أن يفتح الدولاب ولا أن يبحث فيه خوفا من أن يستيقظ صاحب الشقة ويقبض عليه، لذلك تحرك فى ارجاء الشقة دون هذه الحجرة وجمع ما استطاع.
الآن اطمأن قلبه تماما.. فأغلق الثلاجة بأقل قدر ممكن من الضوضاء وأكبر قدر ممكن من الحذر، ثم اتجه إلى حجرة النوم مطمئنا، فتح الباب وبدأ تفتيش الحجرة بأقل قدر ممكن من الحذر وأكبر قدر ممكن من الضوضاء، فرأس صاحب الشقة الموضوعة فى الثلاجة معزولة تماما عن العالم،  ولن تصل إلى أذنها الأصوات، والجسد الملقى على السرير بغير الأذن لا يفيد فى مقاومة السارق.. لذلك أنهى عمله دون قلق، حتى عندما تحركت القدم باتجاه الباب.. كان يعلم أن المسافة الفاصلة بين حجرة النوم والثلاجة كافية كى يغادر المكان بحمولته.

السبت، 17 أغسطس 2019

سيدة تشعل حريقا


سيدة تشعل حريقا
قصة قصيرة

دخلت سيدة مسرعة إلى المطبخ، ترتدى قميص نوم أزرق بالكاد يغطى أعلى فخذيها.. اخرجت طبق لحم من الثلاجة.. غسلتها بماء فاتر، ثم ألقتها فى حلة وأشعلت عليها البوتاجاز، مدت يدها لسبت البصل وانتقت بصلة كبيرة، نزعت عنها القشرة وغسلتها، ثم قطعتها حلقات وعرت حلة اللحمة، مررت بداخلها المعلقة مقلبة إياها، ثم القت بالبصلة عليها وغطتها من جديد.. 
رفع الأستاذ سيد يده عن الورقة، ترك القلم، خلع نظارته، ثم ترك جسمه يتحرك كيفما شاء.. أغلق عينيه لثوانى ثم فتحهما وعاد للورق..
أعطت للبوتاجاز ظهرها وبدأت فى تنظيف الخضار وتجهيزه وهى تدندن مع صوت  نجاة الصغيرة يأتى عبر نافذة المطبخ وحيدة منسية من يومى منسية.. استدارت إلى حلة اللحمة، رفعت عنها الغطاء، أدارت بها المعلقة، ثم غطتها من جديد بعد إضافة الفلفل الأسود والقليل من المياه إليها وعادت للخضار والغناء.
طفل سيدة ربط على ساقها وأشار لها فى إتجاه الصالة.. سيدة المتعجلة لم تهتم، لكن الإلحاح الطفولى أجبرها على ترك ما فى يدها والذهاب فى أثره.. 
توقف الأستاذ سيد عن الكتابة وأمسك الورقة ليراجع الجزء الأخير من قصته، وشعر بأن شيئا ما فى هذا الجزء يدعو للقلق.. أشعل سيجارة  وسحب نفسا عميقا منها وترك للدخان الزمن الكافى كى يصل إلى أبعد جزء من رئته قبل أن يطرده خارجها.
فى الصالة، كانت القطة الفزعة تقف فى المنتصف مهددة من يقترب.. سيدة أصابها الفزع.. "من ترك الباب مفتوحا لتدخل؟!!".. سيدة أسرعت للمطبخ وأحضرت المقشة، فتحت باب الشقة واستعدت للمعركة القادمة.
أمام هذا الجزء المشتعل من القصة، ترك الأستاذ سيد الورقة والقلم وذهب إلى المطبخ ليعد فنجان قهوة  فى محاولة منه لتجديد نشاطه وإعادة ترتيب أفكاره.. تذكر أن سيدة  تركت الحلة على النار وأنه ربما يكون هذا ما سبّب له القلق وجعله يتوقف، فإنتهى بسرعة من إعداد فنجان القهوة وخرج مسرعا لعله يستطيع تنبيه سيدة إلى حلتها المشتعلة تحتها النار.
حين عاد الأستاذ سيد إلى الورق كانت صالة سيدة قد تحولت إلى ساحة معركة حقيقية.. فالقطة هربت واختبأت تحت الكنبة، رفعت سيدة بياضة الكنبة وانحنت  للبحث عنها 
(حين انحنت سيدة اكتشف الأستاذ سيد لأول مرة أن معه فى الحجرة أنثى، الأستاذ سيد لم يعرف الأنثى إلا خلسة أو من خلف حجاب، لكنه والآن فقط يرى الأنثى كما لم يرها من قبل...).
شعر الأستاذ سيد أن ماء باردا يتسرب عبر مسام جلده كله، أن جسده يكاد يشتعل وأن أنفاسه تهرب منه..  فأخرج منديلا ومسح وجهه 
نجحت سيدة فى أخرج القطة من بين الكراكيب المخزنة تحت الكنبة، لكن القطة أسرعت بالانتقال أسفل قطعة، فقطعة، فقطعة أخرى من الأثاث.. وسيدة فى أثرها.. تَرفع هنا وتُحرك هنا... 
توقف الأستاذ سيد وأعاد مسح وجهه بالمنديل وشفط من فنجان قهوته شفطة لعله يستعيد أنفاسه وأفكاره التى تهرب منه.. (يجب أن تتوقف سيدة عن الإنحناء).
"كيف تَخْرُجُ القطة من البيت؟!!.. سيدة بمفردها، الصالة ممتلئة بالأثاث.. وتحت كل قطعة منْه علب وكراتين وكراكيب لا تحصى..  يجب أن يتوافر عنصر أخر.. لكن زوج سيدة لم يعد بعد من العمل، وطفل سيدة اعتبر ما يحدث لعبة يشارك فيها بالضحك فقط ".. 
نظرت سيدة تجاه الصغير الذى يضحك واحتارت هل تغضب منه أم أن الموقف فعلا يستحق أن نضحك له..   "والجيران غرباء غير مصرح لها بادخالهم الشقة.. ثم إنى لم أتعرف بعد على جيران سيدة مما يجعل من ادخال أحدهم كمنقذ لها خطأ بيّن فى البناء القصصى.. يجب أن يكون هناك حل،  استراتيجية لطرد القطة  للخروج من هذا المشهد العبثى والعودة من جديد إلى مجرى الأحداث الطبيعية، حيث المطبخ والبوتاجاز والحلة وسيدة المتعجلة لإنهاء الطعام"..
عند هذه المرحلة... توقفت سيدة مرهقة.. رفعت طرف قميصها ومسحت به وجهها.... 
(مرة أخرى يصطدم الأستاذ سيد بحقيقة الأنثى التى لم يرها من قبل، البياض المشرب بالحَمَار.. يشد منديله من جيبه، ويمسح حبات العرق المتسرب ويدير وجهه عن الصورة التى تقتله ويحاول أن ينشغل بالورق)
رغم تعب سيدة وارهاقها ويأسها من محاولة طرد القطة كلما طال الوقت إلا أنها تلمح السعادة على وجه الصغير فتشاركه اللعب كلما اقتربت منه.. أنزلت مخدات الكنب ومسانده  على الأرض لتصنع منها حواجز تعوق حركة القطة  وتحدد لها مسارا باتجاه الباب المفتوح، لعلها تجبرها على الخروج من الشقة.
وصل إلى أنفه رائحة لحم يحترق.. انحنت سيدة تضع المسند الأخير ..إنْتَبَهَ.."سيدة  تشعل البيت دون أن تنتبه" .. 
 سيدة منهمكة تماما فى المطاردة.. حتى أن سحابة الدخان الأسود التى كادت أن تصطدم برأسها لم تلفت نظرها، ورائحة الشواء التى عبرت أمامها وأعاقت حركتها فاضطرتها إلى القفز من فوقها لم توقفها
ترك الأستاذ سيد الورقة والقلم وإتجه إلى النافذة، فتحها لعل أحدا من المارة يشم رائحة اللحم المحترق أو يلمح سحابة الدخان المتسللة عبر المطبخ والتى بدأت فى التكاثر، وهو يفكر فى مأزقه ومأزق سيدة التى تصنع حريقا وتفقد الغداء... سحب نفسا من الهواء النقى وفكر .. "يجب أن ينبهها أحد ولو مارٍ بالصدفة من أمام النافذة المفتوحة الآن.. يجب أن تتوقف عن الانحناء".. قال وأخرج رأسه من النافذة - يطرد الصورة المتجسدة أمامه.

السبت، 30 مارس 2019

صديقتى الصغيرة



صديقتى الصغيرة 
قصة قصيرة

صديقتى الصغيرة تهوى القصص وتكتبها، مرة كتبت قصة عن أمها، أُعجب النقاد بها كثيرا، وأدخلت السعادة فى قلوب قرائها، وحسدها على ما نالت أصدقاؤها الأدباء.. لكن هذا آلمها كثيرا فى الحقيقة، فهى تعلم أن أمها حزينة جدا، متألمة جدا، كسيرة القلب منذ زمن.. فقد زوجوها ولم تغادرها الطفولة بعد، فحزنت لتركها عروستها وحيدة فى بيت أمها، وحكت لصديقتى الصغيرة أنها حتى الآن مازالت تحلم بنظرات الحزن فى عينى عروستها وهى تهم بالمغادرة تاركة لها سريرها باردا بلا صديق، وأنها قضت أيامها الأولى فى بيت عُرسها تبكى هذا الفراق الذى تكرر كثيرا فى حياتها  فيما بعد، فقد حملت فى عشرة من البنين والبنات دفنتهم جميعهم فى أعمار مختلفة، لم يبق لها منهم إلا صديقتى الصغيرة، لذلك كانت تخشى عليها برد الشتاء وحر الصيف، لكنها لم تستطع أن تقنع صديقتى الصغيرة بأن تظل عمرها تحت المظلة، فصديقتى بطبعها متمردة، عكس أمها التى نجح الزمان بقسوته فى ترويضها لتبقى عمرها حبيسة الدار، لذلك فأم صديقتى عكس كل الأمهات -التى لا تملك من حطام الدنيا سوى طفلة وحيدة- لا تدللها كثيرا، تعاتبها وتلومها كثيرا.. عن حبٍ نعم، لكن ذلك ترك فى قلب صديقتى الصغيرة ندبة تنز منها الدماء كلما سمعت كلمات أمها أو لمحت حزنها.. لذلك لا تجد فى نهاية يومها إلا كلمة واحدة تقولها دائما لأمها حينما يفترقان للذهاب إلى السرير.. "تصبحين على حلم يا أمى"..  لعلها تهرب خلاله من حزنها.. وهى لا تدرك أن هذا يزيد من عذاب الأم، فحزن عروستها يطرد من أحلامها السعادة دائما.. 

السبت، 2 فبراير 2019

ليلة خميس



ليلة خميس
قصة قصيرة

عكس ما هو متوقع، دخل من باب شقته، ليجد الصمت مركونا إلى جانب الحائط، نظيفا تماما – مثل كل البيت-  كأنه قد خرج من علبته الآن فقط، كسره بأن رمى صوته فى الشقة باسمها، استعاد الصمت رونقه وأينع ، انتابه يأس وحيرة، وسقطت كل خيالات اليوم من رأسه..  الشموع الموقدة، التورتة المحتلة منتصف الطاولة، هى فى قميص نومها الجديد الذى اشتراه لها ومازال لم يغادر حقيبته بعد.. وضع البطيخة التى يحملها على الطاولة الفارغة واتجه إلى حجرة نومها.. طرق الباب وانتظر.. عندما لم يتلقَ ردا،  فتح الباب بهدوء ونظر.. كانت الحجرة مرتبة كما يراها كل يوم لم يتغير بها شئ.. أغلقها ودار على باقى حجرات البيت.. لم يجدها.. عند حجرة نومه المفتوحة الباب دخل وتوقف بحثه.. تخلص من بنطاله وقميصه وارتدى ملابس البيت، ورقد على سريره ونام.
الأنوار كانت تغرق الصالة.. التورتة تحتل منتصف الطاولة والشموع تنتظر أن تُشعل.. هذا عيد الزواج الثالث.. ربما الرابع.. بل الخامس، يتذكر لأنها ترتدى هذا الفستان الذى اشتراه لها لمناسبتها هذه.. كانت مشرقة كأنها عروس فى ليلة العرس.. منّى نفسه بيوم مثير يستعيد فيه حرارة شهره الأول معها.. انطلقت من الغرفة  موسيقى هادئة، لف يده حول جسدها - ذلك الذى كان يعشقه فى الشهور الأولى وصار يطلبه مجاملة لها فى باقى الأيام والشهور والسنوات كلما شعر بميلها للفعل- .. تحركت بخفة فى يده، كأنها ريشة تحركها نسمات هواء صيفية على شاطئ نهر، مستعيدا هذا الاحساس الممتع الذى ملأ حياته فى شهورهم الأولى.. استمرت الموسيقى واستمرت الحركة واستمرت سعادته ونشوته فى التصاعد حتى بعد أن بدأت الشموع فى الإنطفاء، لم يتوقف ولم تتوقف.. 
فجأة..  كسر صوت غليظ شاذ اللحن الموسيقى، باب يغلق بعنف،  صوت أقدام أتية باتجاه حجرته  مما جعله يستفيق تماما ويترك حلمه وموسيقاه.. كانت هى هناك – فى الطرقة الفاصلة بين حجرته وحجرتها - تنزع عباءة سوداء وتتحرك فى طريقها إلى حجرة نومه حيث يرقد على السرير لتنظره.. نظر إليها فى حركتها.. ابتعد الخيال كثيرا كثيرا.. القت العباءة السوداء على كرسى أمامه.. كانت شبه عارية.. لكن المسافة ما بين الحقيقة والحلم كانت بعيدة مما جعله يرجع بظهره إلى الخلف فاصطدم بحائط كاد يشج رأسه وكبت شهوته.. استعاد توازنه، غطى وجهه وهو يسألها .. 
- كنت فين؟
لم يكن ينتظر إجابة، ولم تكن على استعداد لأن تجيب فهى مرهقة، متعبة، بحاجة لأن تسرع لإنهاء الغداء.. لذلك مر السؤال مرور الحلم.  

الأربعاء، 9 يناير 2019

النافذة والخضرة


النافذة والخضرة
 قصة قصيرة جدا

النافذة المقابلة لنافذتى بها شئ غريب، فدائما ما يظهر بها القمر قبل دخول الليل وجه امرأة، ودائما ما تنير الحياة بوجهها قبل شروق الشمس.. رغم أنها تقوم بوظائف النافذة العادية.. تدخل التراب مع الهواء صحبة، تخرج الأصوات العالية التى أكرهها، والهامسة التى انتظرها كل مساء، تجعل من نشر الغسيل مشهدا أسبوعيا ممتعا وتسمح لزرعتين خضراوين بالتنفس عبرها..